كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والْيَتِيمِ هو مَنْ مات أبوه وهو لم يبلغَ مبلغ الرجال وهو سِنْ الرُّشْد، وما دام قد فقد أباه ولم يَعُدْ له حاضن يرعاه، فسوف يضجر ويتألم ساعة أنْ يرى غيره من الأولاد له أب يحنو عليه، وسوف يحقد على القدَر الذي حرمه من أبيه.
فيريد الحق سبحانه وتعالى أولًا أنْ يستلِّ من قلب اليتيم وفكره هذه المشاعر؛ لذلك يُوصِي المجتمع به ليشعر أنه وإنْ فقد أباه فالمؤمنون جميعًا له آباء، وفي حُنوِّهم وعطفهم عِوَض له عن وفاة والده.
وكذلك حينما يرى الإنسانُ أن اليتيم مُكرّم في مجتمع إيماني يكفله ويرعاه، ويعتبره كل فرد فيه ابنًا من أبنائه، يطمئن قلبه ولا تُفزِعه أحداث الحياة في نفسه، ولا يقلق إنْ قُدِّر له أن يُيَتَّم أولاده، فسوف يجدون مثل هذه الرعاية، ومثل هذا الحنان من المجتمع الإيماني.
إذن: إنْ وجد اليتيم في المجتمع عِوَضًا عن أبيه عَطْفًا وحنانًا ورعاية يرضى بما قُدِّر له، ولا يتأبَّى على قدر الله، وكذلك تطمئن النفس البشرية إنْ قُدِّر عليها اليُتْم في أولادها.
ثم يقول تعالى: {إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ..} [الإسراء: 34]
أي: لا تنتهز يُتْم اليتيم، وأنه ما يزال صغيرًا ضعيف الجانب فتطمع في ماله، وتأخذه دون وجه حق.
وقوله: {إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ..} [الإسراء: 34] استثناء من الحكم السابق {وَلاَ تَقْرَبُواْ..} يبيح لنا أن نقرب مال اليتيم، ولكن بالتي هي أحسن.
و{أَحْسَنُ} أفعل تفضيل تدل على الزيادة في الإحسان فكأن لدينا صفتين ممدوحتين: حسنة وأحسن، وكأن المعنى: لا تقربوا مال اليتيم بالطريقة الحسنة فحسب، بل بالطريقة الأحسن. فما الطريقة الحسنة؟ وما الطريقة الأحسن؟
الطريقة الحسنة: أنك حين تقرب مال اليتيم لا تُبدده ولا تتعدَّى عليه. لكن الأحسن: أنْ تُنمي له هذا المال وتُثمّره وتحفظه له، إلى أن يكون أَهْلًا للتصرّف فيه.
لذلك فالحق سبحانه حينما تكلم عن هذه المسألة قال: {وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا} [النساء: 5] ولم يقل: وارزقوهم منها؛ لأن الرزق منها يُنقِصها، لكن معنى: {وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا} [النساء: 5] أي: من ريعها وربحها، وليس من رأس المال.
وإلاَّ لو تصوّرنا أن أحد الأوصياء على الأيتام عنده مال ليتيم، وأخذ ينفق عليه من هذا المال، ويُخرج منه الزكاة وخلافه، فسوف ينتهي هذا المال ويبلغ اليتيم مبلغ الرُّشْد فَلا يجد من ماله شيئًا يُعتَدُّ به.
وكأن الحق تبارك وتعالى يقول: حقِّقوا الحسن أولًا بالمحافظة على مال اليتيم، ثم قدِّموا الأحسن بتنميته له وزيادته زيادة تتسع لنفقات حياته، وإلاَّ فسوف يشبّ الصغير، وليس أمامه من ماله شيء.
والحق سبحانه وتعالى يريد ألاَّ يحرم اليتيم من خبرة أصحاب الخبرة والصلاحية الاقتصادية وإدارة الأموال، فقد يكون من هؤلاء مَنْ ليس لديه مال يعمل فيه، فليعمل في مال اليتيم ويُديره له ويُنمّيه، وليأكل منه بالمعروف، وإنْ كان غنيًا فليستعفف عنه؛ لأنه لا يحلّ له، يقول تعالى: {وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ..} [النساء: 6]
لأن الإنسان إذا كان عنده خبرة في إدارة الأموال ولديْه الصلاحية فلا نُعطِّل هذه الخبرة، ولا نحرم منها اليتيم، وهكذا نوفر نفقة صاحب الخبرة الذي لا يجد مالًا، ونفقة اليتيم الذي لا يستطيع إدارة أمواله، وبذلك يتم التكامل في المجتمع الإيماني.
ثم يقول تعالى: {حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ..} [الإسراء: 34]
أي: حتى يكبر ويبلغ مبلغ الرجال، ولكن هل هذه الصفة كافية لكي نُعطِي لليتيم ماله وقد بلغ سِنّ الرُّشْد والتكليف؟
في الحقيقة أن هذه الصفة غير كافية لنُسلّم له ماله يتصرف فيه بمعرفته؛ لأنه قد يكون مع كِبَر سِنّه سفيهًا لا يُحسِن التصرُّف، فلا يجوز أن نتركَ له المال لِيُبدّده، بدليل قوله تعالى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ..} [النساء: 6]
وقال في آية أخرى: {وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5]
ولم يقل: أموالهم، لأن السفيه ليس له مال، وليس له ملكية، والمال مال وليه الذي يحافظ عليه ويُنمّيه له.
إذن: فالرُّشْد وهو سلامة العقل وحُسْن التصرُّف، شرط أساسي في تسليم المال لليتيم؛ لأنه أصبح بالرُّشْد أهْلًا للتصرُّف في ماله.
وكلمة: {أَشُدَّهُ..} [الإسراء: 34] أي: يبلغ شِدّة تكوينه، ويبلغ الأشدّ أي: تستوي ملكاته استواءً لا زيادة عليه، فأعضاء الإنسان تنمو وتتربى مع نموه على مَرِّ الزمن، إلى أن يصل سِنّ الرشد ويصبحَ قادرًا على إنجاب مثله، وهذه سِنّ الأشُدّ أي: الاستواء.
لذلك أجَّلَ الله تعالى التكليف للإنسان إلى سِنِّ البلوغ؛ لأنه لو كلَّفه قبل أن يبلغ ثم طرأ عليه البلوغ بعد التكليف لاحتجَّ بما طرأ عليه في نفسه من تغيرات لم تكن موجودة حال التكليف.
ثم يقول تعالى: {وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولًا} [الإسراء: 34] {الْعَهْدَ} ما تعاقد الإنسان عليه مع غيره عقدًا اختياريًا يلتزم هو بنتائجه ومطلوباته، وأول عقد أُبرٍمَ هو العَقْد الإيماني الذي أخذه الله تعالى علينا جميعًا، وأنت حُرٌّ في أن تدخل على الإيمان بذاتك مختارًا أو لا تدخل، لكن حين تدخل إلى الإيمان مُخْتارًا يجب أن تلتزم بعهد الإيمان؛ لأن الله لا يريد منّا قوالب تخضع، ولكن يريد مِنّا قلوبًا تخشع، ولو أراد الله منّا قوالب تخضع ما استطاع واحد مِنّا أنْ يشذّ عن الإيمان بالله.
لذلك خاطب الحق تبارك وتعالى رسوله بقوله: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ * إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ السَّمَآءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [الشعراء: 3-4] فالله لا يريد أعناقًا، وإنما يريد قلوبًا، لكن يخلط كثير من الناس إنْ أمرته بأمر من أمور الدين فيقول: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ..} [البقرة: 256] نقول له: أنت لم تحسن الاستدلال، المراد: لا إكراه في أنْ تدخل الدين، ولكن إذا دخلتَ فعليك الالتزام بمطلوباته.
ومن باطن هذا العهد الإيماني تنشأ كل العقود، لذلك يجب الوفاء بالعهود؛ لأن الوفاء بها جزء من الإيمان، فأنت حُرٌّ أن تقابل فلانًا أولا تقابله، إنما إذا عاهدتَه على المقابلة فقد أصبحتَ مُلْزمًا بالوفاء؛ لأن المقابل لك قد رتَّبَ نفسه على أساس هذا اللقاء، فإنْ أخلفتَ معه العهد فكأنك أطلقتَ لنفسه حرية الحركة، وقيَّدتَ حركة الآخر.
وهذه صفة لا تليق أبدًا بالمؤمنين، وقد جعلها النبي صلى الله عليه وسلم من صفات المنافقين.
وقوله: {إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولًا} [الإسراء: 34]
قد يكون المعنى: أي مسئولًا عنه، فيسأل كل إنسان عن عهده أوفَّى به أم أخلفه؟
وقد يراد {مَسْؤُولًا} أي: مسئول ممَّنْ تعاقد عليه أنْ يُنقّذه، وكأنه عدَّى المسئولية إلى العهد نفسه، فأنا حُرٌّ وأنت حُرٌّ، والعهد هو المسئول.
والحق سبحانه وتعالى يستعمل اسم المفعول في مواضع تقول للوهلة الأولى أنه في غير موضعه، ولكن إذا دققتَ النظر تجده في موضعه بليغًا غايةَ البلاغة، كما في قوله تعالى: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا} [الإسراء: 45]
هكذا بصيغة اسم المفعول، والحجاب في الحقيقة ساتر وليس مستورًا، ولكن الحق سبحانه يريد أنْ يجعلَ الحجاب صفيقًا، كأنه نفسه مستور بحجاب الغير، كما يصنع بعض المترفين ستائر البيوت من طبقتين، فتصبح الستارة نفسها مستورة، وكما في قوله تعالى: {ظِلًا ظَلِيلًا..} [النساء: 57] أي: أن الظلَّ نفسه مُظَلّلٌ.
وانظر إلى حال المجتمع إذا لم تُرَاعَ فيه العهود، ولم تُحترمَ المواثيق، مجتمع يستهين أهله بالوفاء وشرف الكلمة، فسوف تجده مجتمعًا مُفكّكًا فُقِدت فيه الثقة بين الناس، وإذا ما فُقِدت الثقة وضاع الوفاء وشرف الكلمة الذي تُدار به حركة الحياة فاعلم أنه مجتمع فاشل، وليس أَهْلًا لرقيٍّ أو تقدُّم.
ولأهمية العهد في الإسلام نجده ينعقد بمجرد الكلمة، وليس من الضروري أن يُسجَّل في سجلات رسمية؛ لأن المؤمن تثق في كلمته حتى إن لم تُوثَّق وتكتب.
ومن هنا وُجِد ما يسمونه بالحق القضائي وبالحق الديني، فيقولون: هذا قضاءً وهذا ديانة، والفرق واضح بينهما، ويمكن أن نضرب له هذا المثل:
هَبْ أنك أخذتَ دَيْنًا من صديق لك، وكتب له مستندًا بهذا الدين ليطمئن قلبه، ثم قابلته بعد أن تيسَّر لك السداد ووفَّيت له بدَيْنه. لكنه اعتذر لعدم وجود المستند معه الآن، فقلت له: لا عليك أرسله لي متى شئتَ، فلو تصوَّرنا أنه أراد الغدر بك وأنكر سداد الدين، فالقضاء يقول: له الحق في أخذ دَيْنه، أما ديانة فليس له شيء.
إذن: العهد الذي نعقده مع الناس يدخل تحت المسئولية الدينية وليس القضائية.
ثم يقول الحق سبحانه: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ...}.
تنتقل بنا الآيات إلى قضية من أخطر قضايا المجتمع، هذه القضية هي التي تضمن للإنسان نتيجة عرقه وثمار جهده وتعبه في الحياة، ويطمئن أنها عائدة عليه لا على هذه الطبقة الطفيلية المتسلطة التي تريد أن تعيش على أكتاف الآخرين وتتغذى على دمائهم.
وبذلك ييأس الكسول الخامل، ويعلم أنه ليس له مكان في مجتمع عامل نشيط، وأنه إنْ تمادى في خموله فلن يجد لقمة العيش فيأخذ من ذلك دافعًا للعمل، وبذلك تزداد طاقة العمل ويَرْقى المجتمع ويسعد أفراده.
صحيح في المجتمع الإيماني إيثار، لكنه الإيثار الإيجابي النابع من الفرد ذاته، أما الخطف والسرقة والاختلاس والغَصب فلا مجال لها في هذا المجتمع؛ لأنه يريد لحركة الحياة أن تستوعب الجميع فلا يتطفل أحد على أحد.
وإن كنا نحارب الأمراض الطفيلية التي تتغذى على دماء الإنسان فإن محاربة الطفيليات الآدمية أَوْلَى بهذه المحاربة. فما دُمْتَ قادرًا على العمل فيجب أن تعمل، أما غير القادرين من أصحاب الأعذار فهم على العين والرأس، ولهم حَقٌ مكفول في الدولة وفي أعناق المؤمنين جميعًا، وهذا هو التأمين الذي يكفله الإسلام لكل محتاج.
لذلك نقول للغني الذي يسهم في سَدَّ حاجة الفقير: لا تتأفف ولا تضجر إنْ أخذنا منك اليوم؛ لأن الطاقة التي عملت بها واجتهدتَ وجمعتَ هذا المال طاقة وقدرة ليست ذاتية فيك، بل هي هِبَة من الله يمكن أنْ تُنزعَ منك في أي وقت، وتتبدَّل قوتك ضعفًا وغِنَاك حاجة، فإنْ حدث لك ذلك فسوف نعطيك ونُؤمِّن لك مستقبلك.
لذلك على الإنسان أن يعيش في الحياة إيجابيًا، يعمل ويكدح ويُسهِم في رُقيّ الحياة وإثرائها، ولا يرضى لنفسه التقاعس والخمول؛ لأن المجتمع الإيماني لا يُسوِّي بين العامل والقاعد، ولا بين النشيط والمتكاسل.
وهَبْ أن شقيقين اقتسما ميراثًا بينهما بالتساوي؛ الأول عاش في ماله باقتصاد وأمانة وسَعَى فيه بجدّ وعمل على تنميته، أما الآخر فكان مُسْرفًا مُنحرفًا بدَّد كل ما يملك وقعد مُتحسّرًا على ما مضى، فلا يجوز أنْ نُسوِّي بين هذا وذاك، أو نأخذ من الأول لنُعطيَ للآخر، إياك أن تفعل هذا لأن الإنسان وكذلك الدول- إذا أخذتْ ما ليس لها حمّلها الله ما ليس عليها.
ولذلك لا يجوز أن نحقد على الغني طالما أن غِنَاه ثمرة عمله وكَدِّه ونتيجة سعيه، وطالما أنه يسير في ماله سَيْرًا معتدلًا ويؤدي ما عليه من حقوق للمجتمع، ولندعه يعمل بكل ما يملك من طاقات ومواهب، وبكل ما ليده من طموحات الحياة؛ لأن الفقير سوف يستفيد منه ومن طموحاته شاء أم أبى. فدَعْه يجتهد، وإنْ كان اجتهاده في الظاهر لنفسه فإنه في الحقيقة يعود عليك أيضًا، والخير في المجتمع تعود آثاره على الجميع.
لنفرض أن أحد هؤلاء الأغنياء أراد أن يبني مصنعًا أو عمارة أو مشروعًا كبيرًا، فكم من العمال والصناع، وكم من الموظفين والمهندسين سيستفيدون من هذا المشروع؟ إن الغني لن يملك مثل هذه الإنجازات إلا بعد أن يصبح ثمنها قُوتًا في بطون الفقراء وكسوة على أجساد الفقراء.
إذن: علينا أنْ ندعَ الغني يجتهد ويسعى؛ لأن المجتمع سوف يستفيد من سَعْيه واجتهاده، وما عليك إلا أن تراقبه، فإنْ كان سعيُه في الحق فبها ونعمتْ، وإنْ كان في غير الحق فلتضرب على يده.
وإليك ما يضمن لك سعادة الحياة وسلامة الحركة فيها، يقول تعالى: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ..} [الإسراء: 35] والحديث هنا لا يخصُّ الكيْل فقط، بل جميع المقادير المستخدمة في حركة الحياة مثل المقادير الطولية مثلًا، والتي تُقدّر بالملليمتر أو السنتيمتر أو المتر أو الكيلو متر وتُقاسُ بها الأشياء كُلٌّ على حَسْبه، فالكتاب مثلًا يُقَاس بالسنتيمتر، والحجرة تُقَاس بالمتر، أما الطريق فيُقاس بالكيلومتر وهكذا.
إذن: فالتقدير الطُّولي يجب أن تتناسب وحدة القياس فيه مع الشيء الذي نقيسه. هذا في الطوليات، أما في المساحات فيأتي الطول والعرض، وفي الأحجام: الطول والعرض والارتفاع. وفي الكُتَل يأتي الميزان.
إذن: فالحياة محكومة في تقديرات الأشياء بالكيْل الذي يُبيِّن الأحجام، وبالميزان الذي يُبيّن الكتلة؛ لأن الكيْل لا دخلَ له في الكتلة، إنما الكتلة تُعرف بالميزان، بدليل أن كيلو القطن مثلًا أكبر بكثير من كيلو الحديد.
ومعنى ذلك أن ميزان التقدير يجب أن يكون سليمًا؛ لذلك يقول تعالى: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ..} [الإسراء: 35] يعني: أعطوا المقادير على قدر المطلوب من الطرفين دون نقص.
وقد قال تعالى في آية أخرى: {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [المطففين: 1-3] ومعنى المطففين الذين يزيدون، وهؤلاء إذا اكتالوا على الناس، أي: أخذوا منهم. أخذوا حَقَّهم وافيًا، وهذا لا لَوْم عليه، وإنما اللوم على: {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [المطففين: 3]